همسة قلم كل جمعة فكرة وجود الله

Mohamed aithammou2 مارس 2023
Mohamed aithammou
مدونات الحقيقة

همسة قلم كل جمعة فكرة وجود الله

إن ظن المرء أنه متروك للحرية البهيمية فهو مخطأ. لأن الدليل والمحاججة هنا كانت ببساطة النظر إلى تسلسل الأحداث والتأمل فيها:

( أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى … أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ … ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّىٰ )

تلك النطفة التي تتحول إلى لحمٍ لا ملامح له، ثم تتحول تلك القطعة من اللحم إلى أعصاب، ثم يخرج منها العظم والأعضاء،ثم بعد سنوات تتحوّل تلك النطفة إلى كائن كامل مكتمل فيه من التناسق والدقة ما تُفنى فيه الأعمار في كليات الطب .
ولكن لك نطفة مسار فريد ومختلف حتى تتحول تارة إلى ذكر،أو أنثى، أو أبيض أو أسمر، أو وسيم أو متوسط الجمال.
نعم! إن نفس خط البداية – النطفة – يؤدي إلى آلاف خطوط النهاية، ولكل خط منهم مسار واضح وفريد ومحدد،ويختلف كلياً عن مسار الحيوان المنوي الآخر، ولو كان الأب واحد، ولو كانت المني واحد، ولو كان الحدث واحد. نفس الأب قد يولد له ذكر، أو أنثى، أو أبيض، أو أسمر، كلٌ على حسب المادة الوراثية الكامنة في الحيوان المنوي،ولا أحد يعلم من الحيوان المنوي الذي سيفوز في سباق تلقيح البويضة أبداً،ولا يعلم أحد ما هو خط النهاية من العملية كلها، لأن لكل حيوان منوي خط نهاية فريد ومختلف عن غيره!
وكل حيوان منوي قد تمت هدايته إلى طريق لا مفر من المحيد أو الانفكاك عنه، تماما كما يهتدي القطار إلى وجهته على قضبان من حديد لا مفر من الانحراف عنها!

إن الذي ينكر الدين ويشكك في فكرة وجود الدين من الأساس لا يتأمل في الطبيعة التي تحيط به من كل جانب
فلو كانت الطبيعة ناطقة،فهي تنطق بالخلق، وتُقِر بأنها مخلوقة بيد خالق
لا محالة.

أما لو كانت الطبيعة صارخة، فهي تصرخ في كل يوم بليلة بحقيقة أوضح من الشمس في ربيع النهار، وهي أن ذلك الخالق متصف بالهداية، وأنه خلق فسوى، ولكن دوره تعدى الخلق إلى الهداية والإمداد، فقَدّر وهدى!
ولو كانت النطفة في هداية تكوينية بيولوجية حتى تتحول إلى إنسان كامل عاقل ناطق مبدع مبتكر، ولو كان كل إنسان يدب على الأرض قد تمت هدايته بيولوجياً من الألف إلى الياء بهذا الشكل، وتم الإعتناء به تكوينياً،فأين العجب أن تكون القوة التي هدته تكوينياً قد أرسلت إليه الرسل من بني جنسه حتى تهديه تشريعياً!؟

إن الآيات بها من إعجاز المحاججة ونسف التعجب بسؤال واحد..
كيف تندهش من وجود الدين، وتنظر إليه بعين التشكيك والريبة؟.
وكيف لا تستوعب فكرة الهداية والإرشاد.. والهداية بين جنبيك أنت!؟. أنت في هداية تامة متقنة أبداً على المستوى التكويني،وما قدرتك على التفكير ،وقراءة تلك السطور إلا لأنك مررت برحلة طويلة جدا من هداية تلك النطفة وذلك المني الذي يمنى إلى خط النهاية الذي أنت عليه الآن من كونك عاقل رشيد مفكر مجادل! أين العجب في أن تشمل الهداية هدايتك على المستوى العقائدي أيضاً؟، فلا تكون ضحية للأفكار السخيفة والعقائد الخاطئة..
وأين العجب أن تكون اليد التي رسمت حشا جسدك ونحتت ملامحك نحتاً، قد رسمت لك الطريق بإرسال الرسل، وإنزال الكتب حتى تعيش حياة طيبة، فلا تضل ولا تشقى!
أليس وجود الهداية المتقنة سبب كاف بأن تتعدى الهداية مرتبة التكوين البيولوجي إلى التشريع الديني!؟
أليس شدة الإتقان في هداية التكوين يجعل فكرة الدين ورادة؟.
بل واردة جداً! وأليس غياب الدين والإرشاد في ظل كل ذلك الإرشاد التكويني
هو محض سخيف!؟

لا ننسى ذلك الذي سألني عن كيفية الخلود في الآخرة،فلم أتكلف عناءً إلا بشرح اسم الله الحي،واسم الله القيوم.
فلما استوعب أن الحياة صفة حقيقية مطلقة أبدية في الإله،ولما فهم معنى القيومية اقتنع. ثم عاد بعد أيام يسأل،أليس الخلود فكرة مرعبة!؟.
وهو سؤال غريب، لأن فكرة الفناء أشد رعباً! فلنفترض أن الخلود خرافة ،وأن الفناء حق،وأن المذهب الأقرب للصواب هو الإلحاد الدهري الذي
لا يرى روحاً ،ولا آخرة ولا بعثاً ،ولا نشوراً، وأن ما هي
إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر..
ماذا لو كانت كل حياتك،بكل الطموحات التي تغريك، وكل الآمال التي ماتت بداخلك،وكل الأشخاص
الذين أحببتهم، وكل من أثروا فيك ورحلوا،وكل من عاديت وحاربت، وكل ما عشت من أجله،وكل ما لم تعش من أجله.. ماذا لو كان كل ذلك ومضة سريعة بين الأزلية والأبدية؟.. مجرد ثانية خاطفة
لم يكد يراها أحد..
أو مجرد ذكريات تافهة لا يكترث الوجود بأسره لها..
أو وهم
في خيالك غرقت فيه حين من الدهر، ثم عاد كل شيء إلى العدم، فكان كأن لم يكن، أو عاد إلى أصله الحتمي، أنه أصلاً لم يكن!أيهما أشد رعباً.. الخلود.. أم الفناء!؟

أليس حسبان الإنسان أن يُترك سدىً حراً طليقاً يفعل ما يحلو له، هو تصور يليق بجواميس الزرائب!؟
أليس حسبان الإنسان أن يترك سدىً بلا توجيه ولا إرشاد هو إقرار منه أنه لا يحتاج إلى من يرسم له الطريق، وكأنه هو الذي صنع نفسه وهدى النطفة من مني إلى إنسان كامل!؟
أليست أكبر إهانة للإنسان العاقل المفكر أن يعتقد أن العالم متروك بلا هداية من خالقه.. ألا إن التوهم والظن العليل والفكر السخيف لا يصدر إلا عن من دفن رأسه في التراب فلم يعد يرى الهداية فيه هو، فأنكر وجود ما هو موجود بداخله! ومن غفل عن حقيقة تكوينه البيولوجي، وما فيه من رحلة طويلة لهداية النطفة لمصيرها، هو غافل عن حقيقة الدين ورجاحة إحتلامية وجود الدين..
فإن تأمل حقيقة أن الإنسان مفعول به،وقد فعل ربه به الأفاعيل أصلاً حتى يتحول من نطفة إلى إنسان مكتمل، فهذا يعني أن الإنسان يحتاج لمن هداه بيولوجياً حتى يهديه تشريعياً.. وأن إحتياج الإنسان العاقل إلى الدين هو نفسه إحتياج النطفة إلى إله يرسم لها الطريق حتى تتحول إلى كائن مكتمل. فلا وجود لنطفة تحوّل نفسها إلى إنسان، ولا وجود لإنسان يهدي نفسه بنفسه إلى الطريق. بل على أعتاب كل طريق سكون يحتاج إلى دفعة، وحيرة تحتاج إلى حسم، ومفعول به يحتاج
إلى فاعل،ومعيشة ضنكا تتطلب دستور مُحكَم يحولها إلى حياة طيبة،وهدوء صامت يتعطش ويلهث لتدخل اسم الله الهادي!

نعم.. إن بعض المجادلات تحتاج إلى برهان ودليل وفلسفة.. والبعض الآخر لا تحتاج إلا جلسة إنصاف وتأمل.. وليسأل المرء نفسه كلما نخرت في حواشيه الوساوس وتلاعبت به الشكوك،حتى ظن أنه يترك سدى.. فيراجع القصة من أولها، وليقرأ كأنها أنزلت عليه:
أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى؟
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً.. مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ !؟

🔰لتعم الفائدة 🔰.
◇◇◇◇◇◇◇◇◇.
*بقلم د :
الزهرة العناق تخصص علم النفس .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة