جوهر الموسيقى ..إيقاع ..
الجزء 2تتمة
***.
ماهية الإيقاع الموسيقي؟
♡♡♡♡♡♡♡♡
ما هو الإيقاع الموسيقي؟
يقول الشاعر
ذي الرمة:
عشية مالي حيلة غير أنني **
بلقط الحصى والخط في الأرض مولع.
أخط ثم أمحي الخط ثم أعيده **
بكفي والغربان في الدار موقع.
فالإيقاع بما هو علة الحياة والوجود أصبح مع ذي الرمة في تضايق في تضايفه ولفظة الغربان مؤشرا على الخراب والمحل
وانتهاء الحياة .
غير ان هذا التوظيف الفريد للإيقاع ،والذي ينم على فهم جميل لهذا السر الموحد للوجود،بما فيه ومن عليه، هذا التوظيف لم يسلبه دوره الايجابي والكوني، والذي يظهر جليا حتى بالنظر الى الشعر كشكل وجنس تعبير ” gente” وكيفية قائمة على اساس إيقاع مضبوط يفرق ما بينها ،وبين بقية الأشكال النثرية إلا أن هذا لا يعني أن هذا الأخير تفتقر الى الإيقاع ،بل على العكس من ذلك ،إذ نجد نثرا يتوفر على حقنة موسيقية عالية أنه يمكن تسميته بالنثر الإيقاعي ونموذجه كتابات -جبران خليل جبران-
التي تطورت إلى ما أصبح يعرف بقصيدة النثر، وإذن فكل ما نقصده هو أن الاحتفال بالإيقاع يكون أكثر منه في النثر مصداقا لقول الشاعر الفرنسي فيرلين :
“الموسيقى دوما وأبدا”،.
فالإيقاع هوجوهر الشعر،والكلمة وجوهر الحياة أيضا ووليدتها وهذا ما عبر عنه أفلاطون بقوله: :
“الموسيقى وليدة الطبيعه”.
أي أنها نتاج فعل المحاكاة الذي يتخذ من عناصر الطبيعة بصمتها وجلبتها نموذجا أعلى تستقى منه ملامح كينونته وتفرده التي تجعل من لحظه الفراغ والسكون ما بين النغمة والنغمة، لحظة انفتاح وسمو وسعي لمنعانقة اللامحدد واللامرئي.
وقبل شاعرنا العربي ذي الرمة تمكن الفيتاغريون إبان بحثهم عن أصل الوجود من الوصول إلى علة الواحدة إذ صبحوا قائلين:
” العالم عدد الأعداد وأن الفصل بين الشيء والعدد الذي يمثله هو فصل إجرائي فحسب، والا فهما في العمق متحدين، وحين نقول أن أصل الشيء عدد فهذا معناه أن مبدأه نغم لأن الأنغام يترجم عنها بالأرقام ،وأن يكون أصل الوجود واحد في العدد النغم فهذا يضمن في الوقت ذاته التنوع والاختلاف”.
أي التعدد والنظام والتناسق القائم على تناسب الأضداد،
ولتقريب الأمور سناخذ مثلا هو العدد (2 + 1 ) اذ يمكن ان نمثل الإيقاع فيه على الشكل التالي:
(دقة / دقتين)، ومنه يمكن أن نحصل على نوع من التنويع ،فهذه التنويعات هي عبارة عن موسيقى/ايقاعات مختلفة ومتنوعة تمثل في الوقت ذاته الموجودات وأحوالها المتعددة .
وقد لخص الفيتاغوريون منطقهم هذا ورؤيتهم الثنائية التي تجعل من العدد جسيدا وتمثيلا للموسيقى والموجودات التي ترتبط ،وإياها باواصر رحمية تعود للحظة السكون والتشكل الأول في قولهم أن لحركات الأفلاك نغمات تختلف باختلاف تفاوت المسافات فيما بينها فتكون سريعة حادة أو بطيئة ،وهذا ما عبر عنه إخوان الصفا بقولهم:
“اذا تفكر ذو اللب تبين له أن في نغمات تلك الحركات لذة وسرورا مثل ما في نغمات أوتار العيدان في هذا العالم”.
أي أن اختلاف طول الوتر ،واختلاف المسافة الفاصلة بينه وبين مثيله يؤدي الى اختلاف نوعية النغمة المولودة ،وهذا الأمر ينطبق أيضا على حركات الكواكب التي تشبه في حدوثها مرور الهواء بثقوب جوفاء مختلفة الأشكال والمساحات.
وهذا كله يوضح شرف الموسيقى ودورها الكبير في تخليص النفس وتحريرها، مما يشوبها ومما يسد عليها المنافذ النقية الصافية التي تربطها بالشعاع الأول والسماء الأجمل. ونختم قولنا هذا في هذا الصدد بقولة لأبي حامد الغزالي يقول:
“إن من لم يطرب للعود، ولم يهتز لأوتاره، فهو مريض المزاج.
♧♧♧♧♧♧♧♧.
* بقلم د: أبوالخنساء وحمزةوأمين.