مامعنى سورة الفاتحة؟
♡♡♡♡♡♡♡♡
تساءل أحدهم حول سورة الفاتحة لماذا لم توجد
” قل” مع الحمد لله، فتقول قل الحمد لله كما هو معلوم في سورة الإخلاص ” قل هو الله أحد ” كما هي في سورة الفلق، نحو ” قل أعوذ برب الفلق ” و ” قل أعوذ برب الناس” وفي بعض الآيات، فنجيب على أن قل أضيفت إلى َما يحمل صبغة الخبر عن الله،والرسالة اما الفاتحة هي دعاء، والدعاء من الشخص الذي يحمد ربه ويتوسل إليه، وقد يقول آخر، كيف والقرآن كلام الله، فنقول والدعاء كلام الله أيضا لقنه لعبده كما فعل مع آدم عليه السلام حين اقترب من الشجرة بعد أن أغواه الشيطان، بدليل قوله سبحانه وتعالى
( فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه) هنا قد نذكر آليتين من آليات التشوير، الأولى تشوير ضمني في تقديم ربه على كلمات بمعنى أن الله عز وجل من يسر له الكلمات بمعنى قد يكون أوحى إليه ما يدعو به، والثانية ظاهرة في ذكره مما جاء في قوله – فتلقى – والتلقي يفيد استقبال ما يأتي من الأفق،كأن تقول، تلقيت كيس نقد من السطح ألقى به فلان، لهذا لا يمكن أن نقول ” قل الحمد لله” فإنه إذا صح نحوا لا يصح لغة، ولا بيانا ولا حتى في كلامنا العادي، وهذا بعض ما جاء في سورة الفاتحة لتوضيح ما قلنا، وذلك مما أخرجه مسلم في صحيحه وأصحاب السنن وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل:
( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل. فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين. قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: الرحمن الرحيم. قال الله: أثنى علي عبدي. فإذا قال: مالك يوم الدين. قال: مجدني عبدي. وقال مرة: فوض إلي عبدي. وإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين. قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل. فإذا قال: اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل )
و قال النووي : قال العلماء المراد بالصلاة الفاتحة سميت بذلك لأنها لا تصح إلا بها، والمراد قسمتها من جهة المعنى لأن نصفها الأول تحميد لله وتمجيد وثناء عليه وتفويض إليه، والنصف الثاني سؤال وطلب وتضرع وافتقار.
وقال القرطبي : إنما قال الله تعالى هذا لأن في ذلك تذلل العبد لله وطلبه الاستعانة منه وذلك يتضمن تعظيم الله وقدرته على ما طلب منه .
قوله ( فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم ) إلى آخر السورة إنما كان هذا للعبد لأنه سؤال يعود نفعه إلى العبد. انتهى.
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: فهذا الحديث يدل على أن الله يستمع لقراءة المصلي حيث كان مناجيا له ، ويرد عليه جواب ما يناجيه به كلمة كلمة. انتهى.
ويمكن محاولة إعرابها لنرى ما مدى علاقة تقسيم الصلاة التي هي الفاتحة بإعرابها .
بسم الله الرحمان الرحيم :
بسم = الباء حرف جر، و ” اسم ” اسما مجرور بالكسرة المرفوع علاقة باسم الجلالة، والجار والمجرور متعلقان بخبر محذوف لمبتدأ محذوف تقديره – ابتدائي كائن بسم الله ، أو أبدأ باسم الله، والجملة التقديرية ابتدائية.
الله = اسم جلال وألف ولام التعريف، تفيد التعظيم على مستوى الجلالة
الرحمان الرحيم: الف ولام التعريف عهدية والعهدية ثلاثة أقسام.
1 – ذكْري 2 – ذهني 3 – حضوري :
أولا = الذكري هو الدال على ما سبق ذكره والإشارة إليه وبهذا تسمى آلية التشوير، كقولة – باع لي تاجر بضاعة فتراجع البائع عن بيعه – فالألف واللام التي أدخلت على التاجر الثانية إشارة إلى تاجر المذكور أولا، وهو قد أصبح معهودا لذلك عرف بالألف واللام العهدية، كما أنها ألف ولام زائدة لكونها زائدة من قيمة وشأن الاسم لأن الرحمن والرحيم كل يعلم أنه الله الذي لا إله إلا هو، فيمكن القول بعهدية التعريف لأنه معهود، كما يمكن القول بزائديه التعريف على مستوى التعظيم والإجلال.
والرحمان الرحيم صفتان ينعت إليهما بالكسرة التي هي سياق حرف جر وليس للرحمان الرحيم إلا السمو والجلال .
الحمد لله رب العالمين
الحمد- مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة في آخره
والحمد اسم والاسم ثابت والفعل متحرك أي الحمد على كل حال وفي كل زمان ومكان.
لله – اللام حرف جر يفيد الاستحقاق مبني على الكسر لا محل له من الاعراب وهي لام الامتلاك المخصص لجلاله
الله – اسم جلال معظم بعلامة الملكية الدالة على انفراده بالحمد .
رب – اسم جلالة صفة ويعتبر بدلا وهو مضاف
العالمين – مضاف إليه مجرور وعلامة الياء نيابة عن الكسرة ملحق بجمع المذكر السالم وهو كما جاء في كتاب إعراب القرآن الكريم فضيلة الإمام محمد متولي الشعراوي ” وقد ألحق به لأنه ليس علما ولا صفة ” وعالم ” المفرد يشمل المذكر والمؤنث والعاقل وغيره وعالمون مع الجمعية لا يطلق إلا على العاقل فاختلف المفرد عن الجمع ” انتهى .
مالك = نعث للجلالة المعرفة بالإضافة.
يوم = ظرف زمان تقع فيه الأحداث، والمفسرون يقولون – مالك يوم الدين – أي مالك أمور الدين لأن ظرف الزمان لا يملك، وإذا تأملت معي قد تدرك بأنه لا يقاس على ملكية الخلق اذ لا نملك الزمن والله يملك الزمن، وهو القادر على إعادته وإذهابه وإحضاره وإعدامه، وهو مالك الزمان والمكان، وعليه لا يسأل عنه أين كان ولا متى وهو خالق المكان والزمان .
إياك نعبد وإياك نستعين
إياك – ضمير نصب منفصل مبني على السكون في محل نصب فعال لفاعل فعل العبادة مقدم للاختصاص لكون تيسير العبادة، وأظن هذا مما جاء في قوله تعالى من سورة البقرة ” وتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه ” فالتقديم هنا تقديم تيسير لآدم الكلمات وكلمة تلقى للتشوير التي تشير إلى أن الله من هداه إلى تلك الكلمات، والتلقي غالبا ما يكون من المتلقي إذا ما كان الشي من الأفق ، كما يفيد تقديم رب عن الكلمات أن ربه من يسر له الكلمات بقوله وتلقى آدم من ربه كلمات ولم يقل – وتلقى كلمات من ربه لأن المسألة هنا مسألة التوفيق من ربه، والله أعلم . والكاف من إياك حرف خطاب لا محل له من الإعراب، وجملة نعبد مستأنفة، وكلمة نعبد- فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن .
واو- حرف عطف – إياك نفس إعراب ما تقدم، وأصل نستعين ” نستعون ” من العون فاستثقلت الكسرة على الواو فنقلت إلى ساكن قبلها فسكن الواو بعد النقل وانكسر ما قبلها فقلبت ياء.
اهدنا الصراط المستقيم :
اهدنا – طلب ورجاء وتوسل وليس أمرا كما ظنها بعضهم، وقد يكون معناه دلنا وارشدنا ووفقنا على الطريق المستقيم،
الصراط – مفعول به ثان منصوب بالفتحة وجملة اهدنا استئنافية لا محل لها من الاعراب
الصراط: مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
المستقيم: نعث للصراط منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على اخره والجملة لا محل له من الاعراب استئنافية
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين :
صراط: بدل من الصراط منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره وهو مضاف .
الذين: اسم موصول مبني على الفتح في محل جر مضاف اليه .
أنعمت: أنعم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك.
التاء: ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع فاعل:
عليهم: على: حرف جر مبني على السكون :
الهاء: ضمير متصل مبني على الكسر في محل جر اسم مجرور بعلى.
الميم: حرف للدلالة على جمع الذكور.
وجملة ” أنعمت ” صلة موصول لا محل لها من الاعراب.
غير: صفة الذين.
المغضوب: مضاف إليه.
عليهم: متعلقان بالمغضوب جار ومجرور والميم آلة تشوير تشير إلى ذكورية المفعول بهم، والذكورية هنا تفيد كلا الجنسين الذكر والأنثى لكون الخطاب موجه للإنسان وهذا خارج الجنس الذكوري والأنثوي، ويراد بالمغضوب عليهم بنو إسرائيل ومن تبع منهجهم وعليه تم القياس على المغضوب عليهم.
ولا: الواو واو عطف . ولا زائدة لتأكيد معنى النفي في غير.
الضالين: معطوف على المغضوب عليهم مجرور بالياء لأنه جمع مذكر سالم،والضالين هم النصارى ومن تبع منهجهم وعليه تم القياس على مستوى الخاص المراد به العام.
وإذا تأملت عنهما جاء عن تقسيم الصلاة بين العبد وربه، وقارنتها مع إعرابها لن تجد تناقضا بل تجد التناسق، والعلاقة التي بين إعرابها، وبين ما روي عنها – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول : قال الله تعالى : ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل ، فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين ، قال الله تعالى : حمدني عبدي ، وإذا قال : الرحمن الرحيم ، قال الله تعالى : أثنى علي عبدي ،وإذا قال : مالك يوم الدين ، قال : مجدني عبدي ، وقال مرة : فوض إلي عبدي ، فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين ، قال : هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل ، فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم،صراط الذين أنعمت عليهم ، غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) وفي رواية : ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فنصفها لي ونصفها لعبدي ) رواه مسلم وأصحاب السنن الأربعة .
- بقلم الشاعر والناقد: حميد بركي