“دار الدباغة” في فاس القديمة تكتنز التحولات الاجتماعية والأسرار التاريخية

Mohamed aithammou4 أكتوبر 2022
Mohamed aithammou
ثقافة وفنون

143 172001 tannery fez morocco 3 - الحقيقة Alhakika

قال الكاتب والحكواتي إدريس الجاي إن “مدابغ المغرب، وعلى رأسها مدابغ فاس، تعتبر أقدم مدابغ إفريقيا وأكبرها، فقد وصلت في العهد الموحدي إلى 86 ورشة للدباغة في المدينة، وزاد هذا العدد في العهد المريني فبلغ حوالي 100 ورشة، غير أنه لم يبق من هذا العدد الكبير من ورش الدباغة في فاس القديمة إلا ثلاثا، ولها الاسم نفسه: دار الدبغ”.

وتطرق الجاي، في مقال له بعنوان “دار الدبغ.. دار أسرار”، لأهمية دور الدباغة، موضحا أن “مهنة الدباغة كانت في زمن مضى مهنة ثرية، وكان الناس يطلقون على دار الدبغ اسم دار الذهب لما كانت تذر على ممتهنيها من أرباح”، مضيفا أن “الدبّاغة كانوا يقومون بوظائف اجتماعية إلى جانب مهنتهم”.

وختم إدريس الجاي مقاله بالإشارة إلى أن “الدباغين لعبوا في كل المظاهرات الوطنية دورا هاما في إشعال فتيل التعبئة الجماهيرية مثل مظاهرات سنة 1944 و1953، حيث كانوا يمثلون الوقود الذي منه انطلق التحرك في كل فئات المجتمع، وقد دفع عدد منهم حياتهم ثمنا لهذه الانتفاضات”.

هذا نص المقال:

اسم الدار لا يحيل في المصطلح المغربي على أبنية معتمدة للسكن فحسب، بل قد يشير إلى ورشة أو مصنع أو مجمع حرفي، يحتضن فضاؤه صناعة أو مهنة علمية أو عملية، له مدخل موحد. فنجد دار القرآن، دار السكة، التي كانت قديما تصنع فيها العملات المعدنية والورقية، دار البارود، لصناعة أو تجميع الذخيرة الحية، دار السلاح، دار الباشا، حيث القضاء، دار العمل لصناعة الخزف، دار الضمانة، حرم ومزار وحي سكن لشرفاء وزان، وهذا الأخير عرفته عدد من جهات المغرب. فمن بين هذه الدور، هناك دار لها شهرة وذكر ذائع لا في فاس وحدها بل في كل أنحاء المغرب وخارجه، إنها دار الدبغ، لدباغة الجلود.

كانت فاس قديما تشتمل على عدد منها. وحيث إن مدابغ المغرب، وعلى رأسها مدابغ فاس، تعتبر أقدم مدابغ إفريقيا وأكبرها، فقد وصلت في العهد الموحدي (1121 ـ 1269) إلى 86 ورشة للدباغة في المدينة كما أورد كتاب “جني زهرة الآس في بناء مدينة فاس”، وزاد هذا العدد في العهد المريني (1244 ـ 1465) فبلغ إلى حوالي 100 ورشة، حسب مصادر تاريخية لاحقة.

لقد تفنن المغاربة، وخاصة في فاس، في صناعة دبغ الجلود بجودة عالية، ما جعلها تنتقل من المغرب إلى أوروبا عن طريق الأندلس، ومن هنا جاء مصطلح جلد “الماروك ـ نزي” المغربي و”الكوردوـ فان” القرطبي، الذي سيتطور لاحقا إلى صناعة جلود الأحذية الحديثة. غير أنه لم يبق من هذا العدد الكبير من ورش الدباغة في فاس القديمة إلا ثلاثا، ولها الاسم نفسه: دار الدبغ. فأقدم هذه المجمعات الحرفية المتخصصة في دباغة جلود الحيوانات المُذكاة هي دار الدبغ كرنيز أو سيدي موسى، ويرجع تاريخ إنشائها إلى نهاية القرن الحادي عشر وبداية الثاني عشر، أي قرنا بعد إنشاء مدينة فاس عام 789م. وتوجد في حيز عدوة القرويين من جهتها الشمالية الغربية في مدار النواة الأولى لهذه العدوة. فقد أنشئت وفقا للتوسعات العمرانية، التي عرفتها المدينة في مطلع القرن الحادي عشر واستجابة للحاجيات البشرية من هذه المادة، الجلود المدبوغة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة