خبز.. وقارب.. وماء.

Brahim dodouche19 يناير 2023
Brahim dodouche
ثقافة وفنون

قصة قصيرة:


خبز..
وقارب..
وماء..


فجأة أضرب عن ضرب الفأس
و المعول في صدر ضيعة ( الضب)
– أضرب عن الأكل
و الكلام…
– كان بالأمس القريب البعيد…ملح الأرض
و الجلسات…يزرع روح المرح و الفرح في أسرته….
و لكن!..
كل شيء رحل برحيل رحال…
منذ بدأ المسمار ينغرس تدريجيا في رأس رحال…أحدث فلقا في جمجمته
و بدأ السؤال يتضخم ليولد هاجس الرحيل…
<…الدوار خلا من الأقران…كلهم رحلوا إلى لشبونة…ميلانوا…
باريس…
بلا بطاقة هوية…
بلا جواز سفر…
تسللوا في القوارب
و الزوارق،ولما وصلوا إلى جبل طارق…قرأوا وصيتهم الأخيرة :
(…أما بعد، فإن البطالة من ورائكم…
و البطنة أمامكم…
و الخماص وراءكم…
و العصي تواجهكم…
و الصبر زادكم…والله وليكم…و ليس لكم
إلا التحدي والمغامرة بأرواحكم…
فأين المفر؟
فالجنة أمامكم
والجحيم وراءكم؟…)


جهر رحال بصوته المخشوش :
(…عاد أولاد الدوار…وعادت الأرواح إلى قبورهم…عادوا ظافرين…غانمين…
أغنياء…بسياارتهم الطويلة العريضة…ملابسهم الحريرية الأنيقة…تغيرت سحناتهم
و ملامحهم…حتى شعر رؤوسهم التي كانت (كالحلفاء)…مشعة…
لانت….رطبت
و أنا هنا أحترق في الشمس…أرعى البقر
و الحمير…لقد ضعت…ضعت في ضيعة <الضب>
…تقرفصت حادة على السرير متآكل…غرست أناملها الحادة في صدغيها…شعرت بالدوخة
و الغليان…ورغبة ملحةللتقيؤ…تمنت لة تقيأت الجرح
والفقر…تراقصت حادة :”
تتعرفي ليد راها قصيرة…والفيزا طويلة…والعين بصيرة”..
…ترددت حادة بضعف
وتلعتم،وهي تلح :
“واش المعمول اسي المعطي؟…
هل تتركه يموت
ولبكى ورا الميت خسارة؟…
بيع البقرة اللي عندنا.”
ومضى الوقت في ملل وألم، وأغمض المعطي عينيه طارحا أحلامه…بحثا عن الحل، و حدث نفسه :
“لم لا…كل أولاد الدوار هاجروا ولد قايد…
ولد القرع…
ولد المقدم…
ولد حاج بوكرش…
ولد بوراس…
ولد الحاجة لعجاج…
و كانت هجرتهم خيراوسلاما…
في موسم الحصاد لا تسمع الزغاريد والشيخات “الزغبيات” ،وأبواق الحديد الجديد…
فتح المعطي عينيه
و رفع رأسه،وعدل عمامته الأنقى من الصلصال والفخار ليواجه وجه حادة بالرضى…
قائلا:
“على بركة الله حادة…
و على بركة سيدي رحال ،وسيدي بوزكري ،وشرفة لحرار”.


بيعت البقرة اليتيمة،ومنح ثمنها لابنهما رحال…
عكاز أحلامهما، وحلم أخواته…أليس هو البكر؟.. وعكاز الخيمة…
…ثم جاءت لحظة الوداع،ودعوه بالحب
والنحيب،وشق الجيوب
والخدود،والتوصيات…
…فحلت الفرحة وجه رحال بعد أن كادت ترحل…
و حل منتصب القامة واقفا في كف عروس الشمال…فتح فمه بملأ شدقيه و عيناه الواسعتان كالبقرة التي بيعت…
…بهره البحروالسفن و القوارب، وصاح كالمجنون في وجه الأمواج :
– أنا أحسن سباح أيها البحر…
إسأل عني واد أم الربيع ،وسد بين الويدان،والفرخ الكبير!
…إسأل عني ناس الدوار…لكبيروالصغير…..لن تخيفني أيها البحر بأمواجك؟ !
…لن أغرق فيك
و تغرق أحلامي
و أحلام من معي! رغم أن قارب السمسار صغير حقير..
ولكن!.
حلمي، ومن معي
…كبير…
…جميل!!؟..
وقف رحال ومن معه قرب شاطئ البحر في انتظار الرحيل..وقد جنحت الشمس للغروب،ودفنت
وجهها الباهت الأصفر في صدر البحر، وأقدم الليل ملثما بلثامه الأسود،وجلبابه الغرابي.
و البحر ” شيخ ” يعزف على وتري المد و الجزر أهازيج طبيعية هادئة…
فجأة انشقت الصخرة الكبرى، فخرج أبو الليل صائحا في الوجوه الراحلة
ورحال…
” ادفعوا القارب..
واصعدوا جميعا كرجل واحد
…تزاحموا فيما بينكم…يرحمني الله
و يرحمكم..قولوا آمين…
“أمساخيط الوالدين”..

..أخيرا تحرك القارب على إيقاعات موجية هادئة…تداخل الراحلون فيما بينهم كالسردين داخل اللعبة… تبادلوا فيما بينهم ابتسامة خرقاء حمقاء مجنونة.

و بدأت قلوبهم تدق…ترقص…فرحا حينا…خوفا أحيانا…
و أبو الليل غرس قفازه الأسود على المقود…كان مدججا بجلد قرشي أكحل…
وبدأ القارب يتقلب راقصا…
…تارة يهز بطنه للأعلى…
…تارة يحني كتفيه…
كشيخة شعبية،ودقات قلوبهم تتقادف بسرعة جنونية كقدائف المدفع لتهدم حصن أجسادهم،والماء المالح…الجارح…البارد عطر، وبلل أبدانهم…شعروا بقشعريرة الرعب
والفقد…
فجأة قفز أبو الليل إلى قاع البحر كشيطان مارد رجمته نجوم السماء…
…و تقيأ القارب بما فيه…تعالت الصرخات…النجدات…
الآهات…وابتلعها الموج والليل الأعمى القاتل.
***
وجد رحال نفسه وجها لوجه أمام…لكمات…صفعات…
ركلات…أمواج البحر القاهر…خارت ذراعاه من كثرة السباحة
والتجذيف،وتحالف المد
والجزر كقرشين،وغرسا أنيابهما في كتفيه..وبدأ قلب رحال يتوقف عن الدقات…يضرب عن ضربه النبضات، بدأ يغوص..
.يغرق…
يغرق…
يغ…
وحوريات البحر تهيم به…تجذبه إليها بالقوة واللين…واللين
والقوة…في عواصم الجماجم ،والهياكل العظمية…
●○●○●○●○●○
▪︎بقلم:إدريس قزدار .
•4 شتنبر2001 –
بني ملال.
**************.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة