علمتني ألحياة أن أسمو بذاتي عن ذاتي لاصل لنبع ذواتي ، و أن ألامس المقام الملكي للروح ، فلقد همست لي انني تمردت على العادات و الأعتيادات ، فردت جوارحي بجوابها : ” انا لن استصيغ الملل ، و لن أقعد دون عمل ، و لن انصاع لعبودية الإمعة و الخذلان ” ،
فسألتني العبودية مستغربة :” فمن انت كي تثور علي ”
رددت بصوت روحي :” أنا الطائر الحر الذي يرفض القيود و السجون ، أنا من يرسل مرسال جوارحه انني احب ما أفعل و أفعل ما أحب ، و أجوب الأكوان بذاتي كي ارتشف معاني الحكمة و اسرار الحياة كي اسبر أغوار العوالم الأخرى ، فتتناغم جوارحي بمألوفها الروحي ، و تنسجم مع توائمها في عوالم المحسوس لا الملموس ”
و ليت العبودية توقفت ؛ بل زاد استغرابها و قالت :” فهل أنت هو طائر الرخ الأسطوري؟ ”
قلت :” نعم انا طائر الرخ الحقيقي ، أجوب الكون بين العوالم ؛ و انثر الحرية بلى قيود و قد ادمنت النظر في خوافي الوجود حتى صارت ملامح وجودي في عيون العاشقين خرافة ؛ فأنا اطير و اسبح بين نور السلوك و صفاء الحمأ المسنون من دار الخلود . ”
قالت :” يا هذا لا تثقل علي فأنا العبودية التي اخضعت العباد لقهر الاستعباد ”
رددت قائلا :” بل أنا من جعل الحب و ما أحب بين لحنا للجود في حضرة رب الوجود و أعلنت حريتي له في كل السجود و قد نبض قلبي اللا محدود بعطاء المولى المعبود ، أذكره في وردي و خلوتي فيذكرني في نفسه و اذكره بين الأنام في جولتي كي يذكرني فيمن هم خير مني ”
” انا من تذلل في كنف الحي القيوم فكانت الحياة بلسما لمن حولي و لكل العوالم و انا من أساله سبحانه لي و للغائب الخير فلا يرى جمال الوجود و سخاء الجود من المولى المعبود احد غير من لامس حقيقة الوجود .”
قالت :” زدني يا من استعصى على استعبادي ”
قلت :” يا هذه إن المقام الاجمل في حياتي و سلوكي يوم اصمت صمتا مطبقا عن مقابلة الاساءه بالاساءه ، و أضرب عن اللغو في الكلام دون إساءة ؛ و أسمو في مدارج اليقين إلى مقام الحياة ؛ و أتمتم صدقا لا محاباة سامح الله من آذاني ، و اتصدق لهم من حسن معاملاتي ، و أدعو بالخير والصلاح للإنسانية جمعاء و لكل من و ما يدب على الكون من موجود ، فهذا هو مقام العبادة الحرة .”
قالت :” ثم أي ؟ ”
قلت لها :” يا أيتها العبودية ؛ أما تعلمين أنني خلقت من أصل الجنان و ان عودتي إلى المولى المنان ، فلا داعي لأن تستميلي نفسي ؛ فعندها سوف يصيح القلب بوركت من روح تدرك معنى الصبابة و الإحسان ”
” يا هذه ، إليك عني فها قد اخذت تمتزج كلماتي بعطر الكون و تجتمع عطور الأنفاس إلى أنفس الأنفاس حيث المقام الملكي للروح ؛ و حيث اطمئنان النفس ؛ فحينها ينادي المولى سبحانه :
” يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي و ادخلي جنتي ”
فهلا تبتعدي كي تجد الروح الجنان التي تزينت امامها ، ثم تنسكب كلماتها انسكابا فتتغير رائحة العطر من عطر أدمي الى رياحين من فردوس أزلي الى عطر بنكهة العشق المولوي. ”
قالت في استغراب :” أو كل هذا في مقام الحياة الملكي ؟”
قلت لها :” أي و المولى ؛ بل اكثر مما تتخيلي ، فعندما تكتب في صفحة حياتي زلة او عبارة خاطئه تمحها الحياة بالتقرب الى المولى المنان ، بالتذلل و الإذلال للأمارة بالسوء ؛ و تكتب بدلها عبارة صحيحه عنوانها الاستغفار و شعارها :
” قل يا عبادي الذين اسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ”
عندها أتذكر بل أذكرها :
” ان الحسنات يذهبن السيئات ”
تلك هي لحظات الحياة الملكية الجميله التي أناجي فيها ربي و مولاي وانا مخطئ متذلل إليه ، فيراني متقلبا بين الخوف و الرجاء ، فتستغفر لي جميع الخلائق ، و يفرح سبحانه بعودتي إليه كفرح الرجل الذي عادت إليه راحلته بعد التيه .”
قالت متعجبة :” و ما جزاء كل هذا ؟ ”
قلت دون تردد :” أضع نياشين القرب بل و أتزين بتحسينات الجمال في درب الدلال إلى المولى المتعال ، و أجمل يومي بل جميع أيامي بلهج الوصال ، فلا انسى ان كل شخص في هذه الحياة يخطئ ، و خير الخطائين التوابون ، و ببساطه لولا الخطا لما كان الاستغفار و لا الغفران ، و لأن صحيفة كل واحد منا قد تتلطخ بالسيئات فما علينا إلا أن نزينها يالخيرات كي يكتمل بهاؤها بالحسنات ” و اتبع السيئة الحسنة تمحها ” وكل سيرى صحيفته التي كتبها ، و لربما تنتهي اوراق كتابي و لا أجد احدا يعطيني من اوراق كتابه ، لذلك احرص ان يكون دفتري متزينا بعمل الصالحات .”
قالت و هي تتأسف :” ما اجمل ما حكيت ”
قلت لها :” جميل إن أنا إلى أتيت ، فأنا لله من نعمه رأيت ، و إلى جنابه اقبلت و أويت و من رأى ما رأيت تمنى ان يكون له من المولى ما تمنيت فاعطيت. ”
قالت :” زدني و لا تحزنني ”
قلت لها :” ليكن الصمت اناقه في مقام السلوك الملكي ، و لتكن للاجسام مجلدات من كلمات لا تقال بل تحس ، و مشاعر تتجلى و النفس منها تتحلى لتبارك بالنضارة امام ناظريها ، و تلتقي بعنفوان الحياة الأبدية ، و لتشد على يدي كي تأخدني الى سدرة الصفاء الداخلي و المقام الملكي ، و ما احلى و اجمل من ان احيد بنفسي و روحي و قلبي عن الغوغائية و الإمعية المطبقة على الأنفس العامية ، فتلامس يداي مشاعر الجلال و الجمال وتعانق اقلامي قلوبا متعطشة للوصال ، و تلتحم انفاسنا و تلتصق الوان لوحاتنا السريالية مع بعضنا ليكون للحديث مذاق الانعتاق و لذة الاشتياق ، لا دناءة الانسياق ، و لنرتشف أكواب العسل لذة للشاربين و قوارير اللبن المصفى من المشاعر الممزوجه بالاحاسيس الراضية المرضية للنفس المطمئنة الممزوجة بحلاوة الايمان الى لذة الإحسان ، و ليكون المذاق عذبا رقرقا تتصاعد منه نبضات الوجود بالموجود لله المعبود ، و علامات الرضى قد لامست الروح كل حين ، فنرتشف كاسا بطعم الحب الإلهي .”
قالت :” أي و ربي ، قد سلبت سطوتي”
قلت لها :” لا ،و لكن سوف أختم ملحمتي التي كانت كلماتي منها إليك خجوله ، و لا ترقى لسداد مديونتي لمشاعر الوصال الفياضه من مداد ابتسامة الحياة الملكية ، و لتعرفي ماذا يعني الرقي بالنفس للمقام الملكي ، فترتوي روحي و روحك من كلماتي و من عين مشاعري فتجري وديانا تكتب :
” و عباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما و الذين يبيتون لربهم سجدا و قياما ” فيكون الجزاء من رب العطاء هو : ”
أولئك الذين يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية و سلاما ”
ثم قلت لها :” هل وفيت و كفيت ؟ ”
قالت :” أما يكفيك انك اعتقتني من عبودية الإذلال إلى مقام الحياة الملكية في ملكوت رب الجمال و الجلال ، و حررت روحي من الاستعباد إلى حرية العبادة و عبادة الحرية لرب العباد ؛ فهذا لعمري هو المقام الملكي ”
الكوتش الدولي الدكتور محمد طاوسي